متابعة قدس: بعد أن أدى التحية العسكرية لغزة وأهلها، وجه القائد في كتائب القسام وأحد محرري صفقة التبادل محمود عيسى ابن القدس المحتلة، رسالة وفاء قال فيها "التحية إلى غزة الأبية وأهلنا العظام ونحيي قادتها الغُر الكرام، ونحي فتيانها … والقسام"
وكرّر عيسى أكثر من مرة أن غزة "ستبقىّ وتنهض لتحي الركام" واصفًا صمود أهلها بـ"دروس العزة" للأمة. وأضاف "غزة العزة كانت وستبقى… بغزة أبناؤكِ لصنع المجد التليد، مؤكدًا أن ما شهدته المدينة من خراب لن يَطفئ عزم أهلها، وأنه يحمل دينًا ودمًا ممن ضحّوا من أجل الصمود.
وأكد عيسى أن "غزة العصية انتصرت بأبنائها على كل أعدائها… علمت العالم كله أنّ أمة تصبر على محنة لا يمكن تنهزم أبداً". واختتم عيسى رسالته بتأكيد على أن الحرية ليست نهاية بل بداية لمسؤولية كبيرة تجاه غزة والأهل: "لغزة في أعناقنا دين… سنبقى مدينين لغزة".
من هو الأسير المقدسي محمود عيسى؟
يُعدّ الأسير محمود موسى عيسى (أبو البراء) واحدًا من أبرز رموز الحركة الأسيرة الفلسطينية في سجون الاحتلال، وأحد القادة المؤسسين للذراع العسكري لحركة “حماس” في مدينة القدس، ومن الشخصيات التي رسّخت نموذج الصمود والتحدي رغم أكثر من ثلاثة عقود من الاعتقال.
وُلد محمود عيسى في 21 مايو/أيار 1968 في بلدة عناتا شمال شرق القدس المحتلة، في أسرة مقدسية معروفة بالتدين والوطنية، أنجبت عدة إخوة وشقيقات. توفي والده بعد فترة قصيرة من اعتقاله، في مشهد ترك بصمته العميقة في حياة الأسير وعائلته.
درس عيسى الفقه وأصوله في كلية الشريعة بجامعة أبو ديس، قبل أن تقطع سلطات الاحتلال طريقه الأكاديمي باعتقاله إثر نشاطه النضالي المبكر. قبل اعتقاله، عمل في الصحافة وتولى إدارة مكتب صحيفة “صوت الحق والحرية” في القدس، حيث جمع بين العمل الإعلامي والسياسي في خدمة قضيته الوطنية.
انخرط محمود عيسى في صفوف حركة حماس منذ تأسيسها، وكان من أوائل المنتسبين إلى كتائب القسام في القدس. أسس خلية عسكرية عُرفت باسم “الوحدة الخاصة 101”، تخصصت في تنفيذ عمليات أسر جنود من جيش الاحتلال لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين.
في ديسمبر/كانون الأول 1992، قاد عيسى عملية خطف الجندي الإسرائيلي نسيم توليدانو للمطالبة بالإفراج عن الشيخ أحمد ياسين. وبعد رفض الاحتلال الصفقة وقتل الجندي، طاردته قوات الاحتلال لأشهر قبل أن تعتقله في يونيو/حزيران 1993.
أصدرت محاكم الاحتلال بحقه ثلاثة أحكام مؤبدة إضافة إلى عشرات السنوات الإضافية، ليصبح من أصحاب الأحكام الأعلى في تاريخ الأسر الفلسطيني.
قضى محمود عيسى سنوات طويلة في العزل الانفرادي، تعرّض خلالها لأشكال قاسية من الحرمان والعقوبات، ومنع من الزيارات لفترات طويلة. اتهمه الاحتلال بقيادة محاولات داخل السجون لتنظيم المقاومة وتنفيذ خطة لحفر نفق بطول عشرة أمتار للهروب من سجن عسقلان.
ورغم العزلة والقيود، ظل ثابتًا في مواقفه، يواجه السجّان بإرادة لا تلين، ما جعله رمزًا للمقاومة والصمود في وجه محاولات الكسر النفسي والجسدي.
لم يتوقف الأسير محمود عيسى عن الإنتاج الفكري والثقافي رغم سنوات الأسر والعزلة، فكتب وألف عددًا من المؤلفات التي لاقت انتشارًا واسعًا بين الأسرى والقراء، منها: المقاومة بين النظرية والتطبيق، حكاية صابر (سيرة ذاتية جزئية)، وفاء وغدر، تأملات قرآنية. وقد تحوّل إلى أحد رموز الفكر المقاوم داخل السجون، فكرّس قلمه لخدمة الوعي الوطني والإسلامي، وكتب بلغة تجمع بين التجربة الشخصية والتحليل الفكري العميق.
ورغم المطالبات المتكررة من فصائل المقاومة، رفض الاحتلال الإسرائيلي الإفراج عنه في صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011، وأصرّ في كل جولة تفاوضية لاحقة على استبعاده، بزعم أنه من “الأسرى الأخطر” والأكثر تأثيرًا داخل السجون.
ومع ذلك، عاد اسمه إلى الواجهة اليوم ضمن صفقة “طوفان الأحرار 3”، ليكتب له أخيرًا بداية الحرية بعد أكثر من ثلاثين عامًا من الاعتقال، ويفتح صفحة جديدة في مسيرة الأسير الذي تحوّل إلى رمز للثبات المقدسي في وجه السجان.